إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
أخبار الآحاد
54089 مشاهدة
الدليل الأول القرآن

القول الثاني وجوب العمل بخبر الواحد سمعا
     وهذا قول جمهور الأمة، بل عليه إجماع السلف قاطبة، وإنما حدث الخلاف فيه بعد ظهور علم الكلام، ولهذا كان عمدة المتكلمين في القول بوجوب العمل بها إنما هو الإجماع، مع أن الإجماع لا بد له من مستند.
     أما بقية أدلتهم مع كثرتها فقد أوردوا عليها اعتراضات صارت دلالتها من أجلها عندهم ظنية، مع أن المسألة من الأصول التي لا بد فيها من قواطع الأدلة.   وإليك بعض ما أوردوه في هذا الباب من الأدلة السمعية، مع مناقشة اعتراضاتهم عليها: .
1- النوع الأول:القرآن:       ودلالته في عدة آيات:
1-     قوله تعالى: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أمر تعالى الطائفة النافرة أو الباقية بالتفقه في الدين، وبإنذار قومها بما تفقهت فيه، وعلل الإنذار بحصول الحذر من القوم. والأمر يقتضي وجوب المأمور به، وهو التفقه ثم الإنذار الذي هو الإخبار بالأمر المخوف؛ والتعليل بقوله: لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ليس للترجي، فإنه محال في حق الله تعالى، لما يشعر به من عدم علمه بالعاقبة، بل هو للطلب فيفيد وجوب المطلوب، وهو الحذر اعتمادا على إنذار الطائفة، ولفظ الطائفة، يعم الواحد والاثنين، لقوله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فإنه يصدق على ما إذا اقتتل اثنان، وأيضا فإن الفرقة أقلها ثلاثة. وقد أمرت كل فرقة أن يخرج بعضها، فظهر بذلك وجوب التفقه على هذه الطائفة، ووجوب إنذارها لقومها الذي يسبب الحذر الذي جعل الإنذار علة لحصوله.
     وقد أوردوا على دلالة هذه الآية شبها .
(أ) فمنها : أن قوله: لِيُنْذِرُوا ليس من صيغ الأمر الصريح، فلا يكون الإنذار واجبا ، حيث لا أمر في الآية.
      فيقال: لا شك أن الله أوجب التفقه في دينه، ثم بيانه للناس، وذم الذين يكتمون ما أنزل الله، في هذه الآية من الحض على التفقه والإنذار ما يؤيد ذلك.
     ولما كانت صيغة لِيُنْذِرُوا هنا ذكرت لتعليل الحض على التفقه دل على وجوب التفقه، ثم الإنذار وهو التخويف الموجب للحذر، إذ لا تخويف في ترك غير واجب.
(ب) ومنها: أن الأمر قد لا يدل على وجوب المأمور به.  فيقال: الأمر المطلق لا يصرف عن الوجوب إلا بقرينة، وها هنا دلت القرائن وهي أدلة وجوب البيان والنهي عن الكتمان - على أنه للوجوب.
(جـ)    ومنها: أن الإنذار أريد به التخويف من فعل شيء أو تركه، بناء على اجتهاد المخوف والتخويف خارج عن الإخبار.
      فيقال: الإنذار كما قلنا الإخبار بمخوف يترتب على فعل أو ترك، والعلم بالمخوف أثر التفقه في الدين، فكان التخويف إخبارا عن شيء مخوف متلقى علمه عن الشرع.
(د)     ومنها : أن الإنذار أريد به الفتوى، ونحن معكم على قبول المقلد خبر المفتي. ويرجح ذلك لفظ التفقه الذي هو شرط لجواز الإفتاء.
      فيقال: الإنذار في الآية على عمومه لحذف مفعوله، فيشمل الإفتاء والإخبار بشيء من كلام الله ورسوله، أو ما استنبط منهما بما يوجب الحذر. كما أن لفظ القوم عام فيشمل المجتهدين والمقلدين مع أن التفقه في اللغة لا يستلزم الإفتاء.
(ه)   ومنها قولهم: يلزم أن يخرج من كل ثلاثة واحد، ولا قائل بوجوبه.  فيقال: النص يقتضي ذلك ويقتضي وجوب العمل بخبر الواحد، وقد خص الأول بالإجماع على عدم الوجوب، ولا يلزم من تخصيصه تخصيص الثاني.
(و)     ومنها: أن الآية في وجوب الإنذار، لا في العمل، وقد يكون الأمر بالإنذار ليحصل بخبر المنذر تمام حد التواتر.
     فيقال: إذا سلم وجوب الإنذار فقد علل بحصول الحذر، فدل على وجوب الأمرين معا . فإن هذا التعليل نظير التعليل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ولا شك في وجوب التقوى. ولم يكن في الآية إشارة إلى تأخير الحذر حتى يحصل التواتر.
2-      قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وفي قراءة (فتثبتوا) فلما أمر بالتثبت في خبر الفاسق دل على أن خبر العدل بخلافه، وإلا لم يكن لتخصيص الفاسق معنى، حيث يجب التثبت في الجميع.
     وأيضا فلو كان خبر الواحد لا يقبل مطلقا لم يحتج إلى تعليل التثبت فيه بالفسق، لأن علة الرد موجودة فيه قبل الفسق، فكان التعليل تحصيلا للحاصل. وقد أورد على هذا بأنه استدلال بمفهوم المخالفة، وهو غير حجة أو هو حجة ظنية، والظن لا يكتفى به في الأصول.
      فيقال: إن هذا المفهوم مما تؤيده الفطرة وعمل الأمة، من التفريق بين خبر العدل والفاسق حتى عند العامة، فالتثبت هنا معلل بالفسق، فبعدم الفسق لا يؤمر بالتثبت.